/ الفَائِدَةُ : (40) /
31/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / رأس هرم حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة فوق الصفات والأَسمآء الحسنى / إِنَّ الصِّفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ المعروفة لدينا وإِنْ كان الثابت في بيانات الوحي : أَنَّها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، لكنَّها ليست رأس هرم طبقات حقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) الصَّاعدة ، بل رأس هرم طبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة وراء وفوق ذلك . كحال حقائق سائر البشر ؛ فإِنَّها لا تكمن في النَّفس، ولا في طبقات الرُّوح ؛ فلا تكمن في طبقة العقل، ولا في طبقة القلب ، ولا في طبقة السرِّ ، ولا في طبقة الخفي ، ولا في طبقة الأَخفىٰ ، وإِنَّما وراء وفوق ذلك ، ومهيمنة عليها هيمنة اللطيف على الأَغلظ . وللتَّوضيح أَكثر : لاحظ المُقدِّمتين التاليتين : المُقدِّمة الأُولى : /أَوَّل المخلوقات وأَشرفها حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة/ إِنَّ الثابت بالضرورة الوحيانية ، وعند كافَّة فرق المسلمين ، وبالبيانات الوحيانيَّة البالغة فوق التواتر اللَّفظي والعقلي والوحياني : أَنَّ أَشرف وأكمل جملة المخلوقات ، وأَوَّل ما خلق اللَّـه على الإِطلاق : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « إِنَّ اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من نورٍ واحدٍ ... ثُمَّ خلق اللَّـه السَّماوات والأَرض ، وخلق الملائكة ، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ، فسبَّحنا ... فسبَّحت الملائكة ، وكذا(1) في البواقي ، فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا ، وحقيق على اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) كما اختصَّنا واختصَّ شيعتنا أَنْ يزلفنا وشيعتنا في أَعلىٰ عليِّين ، إِنَّ اللَّـه اصطفانا واصطفىٰ شيعتنا من قبل أَنْ نكون أَجساماً ... »(2). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّه لو كانت هناك مخلوقات من جملة المخلوقات والعوالم ـ منها : عَالَم المُجرَّدات التامَّة ؛ عَالَم السرمد والأَزل ؛ عَالَم الصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ فضلاً عمَّا دونها ـ مخلوقة قبل رأس هرم طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة لَـمَا عبَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأَطلق بيانه : « فنحن المُوحِّدون حيث لا مُوحِّد غيرنا ». بعد الاِلتفات : أَنَّ الأَسمآء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ ، والصفات الإِلٰهيَّة (ذاتيَّة كانت أَم فعليَّة) ـ كما سيأتي بحثه (إِنْ شآء اللّٰـه تعالىٰ) ـ مخلوقات مُكرَّمة مهولة ، تُسَبِّح اللَّـه ـ المُسَمَّىٰ ـ وتمجِّده وتُقدِّسه وتُوحِّده. 2ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيضاً : « أَوَّل ما خلق اللَّـه نوري ، ابتدعه من نوره ، واشتقَّه من جلال عظمته ، فأَقبل يطوف بالقدرة حتَّىٰ وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثُمَّ سجد للَّـه تعظيماً ففتق منه نور عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، فكان نوري مُحيطاً بالعظمة ، ونور عَلِيّ محيطاً بالقدرة ، ثُمَّ خلق العرش واللوح(3) والشَّمس وضوء النهار ونور الأَبصار، والعقل والمعرفة ، وأَبصار العباد وَأَسماعهم وقلوبهم من نوري ، ونوري مُشْتَقّ من نوره . فنحن الأَوَّلون ونحن الآخرون ، ونحن السَّابقون ... ونحن كلمة اللَّـه ، ونحن خاصَّة اللَّـه ... ونحن وجه اللَّـه ... ونحن يمين اللَّـه ... ونحن محال قدس اللَّـه... »(4). 3ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيضاً : « ... خلقنا اللَّـه نحن حيث لا سماء مبنيَّة ولا أَرض مدحيَّة ، ولا عرش ولا جنَّة ولا نار ، كُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس ، فلمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فنور العرش من نوري ، ونوري من نور اللَّـه ، وأَنا أَفضل من العرش ، ثُمَّ فتق نور ابن أَبي طالب فخلق منه الملائكة ... وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السَّماوات والأَرض ... ثُمَّ فتق نور الحسن فخلق منه الشَّمس والقمر ... ثُمَّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنَّة والحور العين ... »(5). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وأَشرفها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأطلق قوله : « وكُنَّا نُسبِّحه حين لا تسبيح ، ونقدِّسه حين لا تقديس » ، وكذا كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « فَلَمَّا أَراد اللَّـه بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه ... ». 4ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مخاطباً أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... يا عَلِيّ ... وأَنت السبب فيما بين اللَّـه وبين خلقه بعدي ... »(6). 5ـ بيانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، عن جابر بن عبداللَّـه ، قال : « قلتُ لرسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : أَوَّل شيء خلق اللَّـه تعالىٰ ما هو ؟ فقال : نور نبيِّك يا جابر ، خلقه اللَّـه ثُمَّ خلق منه كُلّ خير ، ثُمَّ أَقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللَّـه ثُمَّ جعله أَقساماً ، فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ... »(7). 6ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... والنَّبيُّ والعترة ... رأس دائرة الإِيمان ، وقطب الوجود ، وسمآء الجود ... جلَّ مقام آل محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وان يُقاس بهم أَحد من العالمين ... فهم خاصَّة اللَّـه وخالصته ... ومبدء الوجود وغايته ، وقدرة الرَّبّ ومشيئته ... »(8). 7ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « كان اللَّـه ولا شيء معه ، فأَوَّل ما خلق نور حبيبه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قبل خلق الماء(9)والعرش والكرسي والسَّماوات والأَرض ، واللوح والقلم ، والجنَّة والنَّار ، والملائكة وآدم وحواء بأربعة وعشرين وأَربعمائة أَلف عام ، فلمَّا خلق اللَّـه تعالىٰ نور نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بقي أَلف عام بين يدي اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) واقفاً يُسَبِّحه ويحمده ، والحقُّ تبارك وتعالىٰ ينظر إِليه ويقول : يا عبدي ، أَنْتَ المراد والمريد ، وأَنْتَ خيرتي من خلقي ... فخلق اللَّـه منه اثني عشر حجاباً ، أَوَّلها حجاب القدرة ، ثُمَّ حجاب العظمة ، ثُمَّ حجاب العزَّة ، ثُمَّ حجاب الهيبة ، ثُمَّ حجاب الجبروت ... ثُمَّ حجاب الكبرياء ... ثُمَّ إِنَّ اللَّـه تعالىٰ خلق من نور مُحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عشرين بحراً من نورٍ ، في كلِّ بحر علوم لا يعلمها إِلَّا اللَّـه تعالىٰ ... قال الله تعالىٰ : يا حبيبي ، ويا سيِّد رسلي ، ويا أَوَّل مخلوقاتي ، ويا آخر رسلي ... ثُمَّ قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة أَلف وأَربعة وعشرين أَلف قطرة ، فخلق اللَّـه تعالىٰ من كُلِّ قطرة من نوره نبيّاً من الأَنبياء ، فلَمَّا تكاملت الأَنوار صارت تطوف حول نور مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كما تطوف الحجاج حول بيت اللَّـه الحرام ... »(10). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة أَيضاً ؛ على أَنَّ أَوَّل المخلوقات وأَشرفها وأَعلاها مقاماً وفضلاً وكمالاً طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، وإِلَّا لَـمَا عبَّر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « كان اللَّـه ـ أَي : المُسَمَّىٰ (جلَّ وتقدَّس) ـ ولا شيء معه ـ فليس معه (تقدَّس ذكره) صفة إِلٰهيَّة ولا اسم إِلٰهي ، ولا مخلوق البتَّة ـ فأَوَّل ما خلق ـ على الإِطلاق ـ نور حبيبه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ » . ثُمَّ خلق ـ كما صرَّحت بذلك بيانات الوحي الأُخرىٰ ـ نور أَمير المؤمنين ، ثُمَّ نور فاطمة الزهراء، ثُمَّ نور الحسن ، ثُمَّ نور الحسين صلوات اللَّـه عليهم . 8ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ليس شيء أَقرب إِلى اللَّـه من رسوله ، ولا أَقرب إِلى رسوله من وصيِّه ، فهو في القرب كالجنب ... »(11). 9ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ونحن السبيل فيما بين اللَّـه وخلقه ، ونحن الرباط الأَدنىٰ ... »(12). 10ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... ونحن أُمناؤه على خلقه ... والحجاب فيما بينه وبين خلقه ... »(13). 11ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ما بعث اللَّـه نبيّاً أَكرم من محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ولا خلق اللَّـه قبله أَحدا ... »(14). 12ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ... كان أَقرب الخلق إِلى اللَّـه تبارك وتعالىٰ ... »(15). 13ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ليس شيء يخرج من اللَّـه حتَّىٰ يبدأ برسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بأمير المؤمنين ، ثُمَّ واحداً بعد واحد ... »(16). 14ـ بيان الإِمام الكاظم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ما خلق اللَّـه خلقاً أَفضل من مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ولا خلق خلقاً بعد مُحمَّد أَفضل من عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ »(17). 15ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ودعا أَمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلاَمُ فكان نفسه بحكم اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) ، فقد ثبت أَنَّه ليس أَحد من خلق اللَّـه تعالىٰ أَجلّ من رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأَفضل ، فواجب أَنْ لا يكون أَحداً أَفضل من نفس رسول اللَّـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بحكم اللَّـه تعالىٰ ... »(18). 16ـ بيان الإِمام الجواد صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عن محمَّد بن سنان ، قال : « ... يا مُحَمَّد ، إِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ لم يزل مُتفرِّداً بوحدانيَّته ، ثُمَّ خلق مُحَمَّداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا أَلف دهر ، ثُمَّ خلق جميع الأَشياء ، فأشهدهم خلقهم ، وأَجرىٰ طاعتهم عليها ، وفوَّض أُمورها إِليهم ، فهم يُحلِّون ما يشاؤون ، ويُحرِّمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إِلَّا أَنْ يشاء اللَّـه تبارك وتعالىٰ ، ثُمَّ قال : يا مُحمَّد ، هذه الديانة الَّتي مَنْ تقدَّمها مرق ، ومَنْ تخلَّف عنها محق ، ومَنْ لزمها لحق ، خذها إِليك يا مُحَمَّد »(19). 17ـ بيان زيارة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، وفيكم استقرَّت الأَنوار والمجد والسؤدد ، فليس فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه ، ولا أَقرب إِليه منكم ، ولا أَكرم عليه منكم ، ولا أَحظىٰ لديه ... »(20). 18ـ بيان زيارتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) أَيضاً : « ... إِليكم انتهت المكارم والشرف ، ومنكم استقرَّت الأَنوار والعزَّة والمجد والسؤدد ، فما فوقكم أَحد إِلَّا اللَّـه الكبير المُتعال ، ولا أَقرب إِليه ولا أَخصّ لديه ولا أَكرم عليه منكم ... »(21). 19ـ بيان زيارتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) أَيضاً : « ... آتاكم اللَّـه ما لم يؤتَ أَحداً من العالمين ، طأطأ كُلّ شريفٍ لشرفكم ، وبخع(22) كُلّ متكبِّر لطاعتكم ، وخضع كُلّ جبّارٍ لفضلكم ، وذلّ كُلّ شيءٍ لكم ... »(23). ودلالة الجميع واضحة ؛ على أَنَّ أَوَّل جملة المخلوقات وجوداً وخلقة ، وأَشرفها وأَعلاها سؤدداً ومقاماً وفضلاً وكمالاً ، وأَقربها إلى الباري ـ المُسَمَّىٰ ـ (علا ذكره) ، وأَخصَّها عنده : طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. المُقدِّمة الثانية : / رأس هرم حقائق أَهْل الْبَيْتِ الصَّاعدة فوق الصفات والأَسمآء الحسنى/ إِنَّ الوارد في بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ المُصرِّح بـ : أَنَّ وراء وفوق أُسس وأُصول وأَركان الأَسمآء الإِلٰهيَّة الأَربعة ، وهي : (هو ـ وهو الاسم المكنون المخزون ـ ، واللَّـه ، وتبارك ، وسبحانه( خ. ل: تعالىٰ )) : أَنَّ هناك حقيقةً مخفيَّةً ، مهولةً وخطيرةً جِدّاً ، وإِسماً إِلٰهيّاً مخفيّاً : « بالحروف غَيْرَ منعوتٍ ، وباللَّفظ غَيْرَ مُنْطَقٍ ، وبالشَّخص غَيْرَ مُجَسَّدٍ ، وبالتَّشبيه غَيْرَ موصوفٍ ، وباللَّون غَيْرَ مصبوغٍ ، منفي عنه الأَقطار ، مُبَعَّدٌ عنه الحُدُودُ ، مَحْجُوبٌ عنه حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ ، مُسْتَتِرٌ غَيْرَ مَسْتُورٍ » . فانظر : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِن اللَّـه (تبارك وتعالىٰ) خلق اسماً بالحروف غير منعوت، وباللَّفظ غَيرَ مُنْطَقٍ، وبالشَّخصِ غَيْرَ مُـجَسَّدٍ، وبالتَّشبيه غير موصوفٍ ... مُبَعَّدٌ عنه الحُدُودُ، محجوبٌ عنه حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّم، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَستُورٍ، فجعله كلمةً تامَّةً على أربعة أَجزاءٍ معاً ، ليس منها واحدٌ قبل الآخر ، فأظهَرَ منها ثلاثة أَسماءٍ ؛ لفاقةِ الخلقِ إِليها ، وحَجَبَ واحداً منها ، وهو الاسمُ المكنُونُ المُخزُونُ بهذه الأَسماء الثلاثة الَّتي ظَهَرَت(24)، فالظاهِرُ هو : (اللَّـه ، وتبارك ، وسبحان)(25) ، ولكلِّ اسمٍ مِنْ هذه أَربعة أَركان ، فذلك اثني عشر رُكناً ، ثُمَّ خلق لكلِّ ركنٍ منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إِليها ، (فهو الرحمٰن ، الرَّحيم ، الملك ، القدوس ...) فهذه الأَسماءُ وما كان من الأَسمآء الحُسنىٰ حتَّىٰ تَتِمَّ ثلاثَ مائةٍ وستينَ اسماً فهي نسبةٌ لهذه الأَسماء الثلاثة ، وهذه الأَسمآءُ الثلاثةُ أَركانٌ ، وَحَجَبَ الاسمَ الواحد المَكنُونَ المَخزُونَ بهذه الأَسمآءِ الثلاثةِ ، وذلك قوله (عَزَّ وَجَلَّ) : [قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى](26)» (27). والنتيجة : أَنَّ طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة لا تنتهي بالصفات والأَسماء الإِلٰهيَّة الحسنىٰ المعروفة ، والمُصرَّح بها في بيانات الوحي . بل أَنَّهُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه) لم يذكر في بيانه الشَّريف هذا : أَنَّ ذلك الاسم الإِلٰهي المخفي هو أَوَّل المخلوقات ورأس هرمها ، وأَبقىٰ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الباب مفتوحاً لمخلوقات مكرَّمة (طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة) وراء ذلك الإِسم ، أَرفع شأناً ، وأَعلىٰ مقاماً ، بل وراء جملة المخلوقات وفوقها ومُهَيْمِنَة عليها . / نُكْتَةُ توقُّف المخلوق في قبول مقامات وكمالات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / ثُمَّ إِنَّه مَنْ يتوقَّف في قبول مقامات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وكمالاتهم وشؤونهم ـ بعد قيام الدَّليل القطعي عليها ـ أَو يتردَّد فيها فضلاً عن مَنْ يُنْكِرُها فَلْيَعْلَم ـ بل ليراجع نفسه فسيجد ـ أَنَّ منشأ ذلك أَحد أُمور ثلاثة لا رابع لها ، وإِلَّا فتسويلات شيطانيَّة ؛ فإِنَّه : إِمَّا أَنْ يكون منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في فاعليَّة الباري (تبارك وتعالىٰ) ، كمُعتقد اليهود. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) في قابليَّة طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ واستعدادها واستحقاقها ، كمعتقد المُقصِّرة وبعض النَّواصب. وإِمَّا أَنْ يكون ـ منشأ توقُّفه وتردُّده وإِنكاره ـ (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) جهلاً بهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ، أَو حسداً لهم ، أَو حقداً أَو تكبُّراً عليهم ، كحال إبليس والبعض الآخر من النَّواصب. وهذا كالأَوَّل والثَّاني إِلحاد وكفر جليٌّ ، لا يُبْقي ولا يَذَر ؛ فإِنَّ يداه (عزَّ ذكره) مبسوطتان ينفق كيف يشآء ، وقابليَّة طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ واستعدادها واستحقاقها للفضل والكمال لا حدَّ ولا منتهىٰ ولا غاية لها ، والجهل وجنده كالحسد والحقد والتكَبُّر لاسيما إِذا كان في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَالَمٌ من البحر الأُجاج ظُلْمَانِيّاً ، فوق عَالَم جهنَّم ونار الآخرة الأَبديَّة (أعاذنا اللَّـه تعالىٰ منها) ، ومهيمن عليها ، بل هي قطرة في بحره وبحور جنده الظلمانيَّة الأُجاج المتلاطمة ، كما أَشار إِلى ذلك بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه في حديث جنود العقل والجهل(28). وإِلى الأَوَّل أَشارت بيانات الوحي ، منها : بيان قوله جلَّ ذكره : [وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ](29). وإِلى الأَوَّل والثَّاني أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... أَنَا صاحب النَّار ، أَقُولُ لَـهَا : خُذِي هٰذا ، وذري هذا ... أَنَا صاحب الهدَّة ، وَأَنَا صاحب اللَّوح المحفوظ ... أَنَا صاحب المعجزات والآيات ... أَنَا الَّذي حملتُ نوحاً في السَّفينة بأمر ربِّي ، وَأَنَا الَّذي أَخرجتُ يونس من بطن الحوت بإِذنِ رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي جاوزتُ بموسىٰ بن عمران البحر بأمر رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أخرجتُ إبراهيم من النَّار بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا الَّذي أَجريتُ أَنهارها ، وَفَجَّرتُ عيونها ، وغرستُ أَشجارها بإِذن رَبِّي ، وَأَنَا عذاب يوم الظِّلَّة ، وَأَنَا المنادي من مكان قريب قد سمعه الثقلان : الجنّ والإِنس وفهمه قوم ... لا تُسَمُّونا أَرْباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم ، فإِنَّكم لن تبلغوا من فضلنا كُنْه ما جعله اللَّـه لَنَا ، ولا معشار العشر ... ولو قال قائل : لِمَ ، وكيف ، وَفِيم ؟ لكفر وأَشرك ؛ لأَنَّه لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون ... مَنْ آمن بما قلتُ ... فهو مؤمن ممتحن ... وَمَنْ شَكّ وعَنَدَ وجَحَدَ ووقف وتحيَّر وارتاب فهو مقصِّر وناصب ... الويل كُلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللَّـه ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أَنْكرَ شيئاً مِـمَّا أَعطانا اللَّـه فقد أَنْكرَ قدرة اللَّـه (عَزَّ وَجَلَّ) ومشيَّته فينا ... وَحَقَّتْ كلمة العذاب على الكافرين ، أَعني الجاحدين بِكُلِّ ما أَعطانا اللَّـه مِنَ الفضل والإِحْسان » (30). ودلالته واضحة ولا غبار عليها. وإِلى الثَّالث أَشارت بياناته الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مخاطباً حذيفة بن اليمان : « يا حذيفة ، لا تُحَدِّث النَّاس بما لا يعلمون فيطغوا ويكفروا ، إِنَّ من العلم صعباً شديداً محمله ، لو حملته الجبال عجزت عن حمله ، إِنَّ علمنا أهل البيت يُستنكر ويبطل ويُقتل رواته ، ويُساء إِلى مَنْ يتلوه بغياً وحسداً لما فَضَّلَ اللَّـه به عترة الوصي ، وصي النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ...»(31). 2ـ بيان تفسير أَبي جعفر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن بريدة ، قال : « كنتُ عند أَبي جعفرعَلَيْهِ السَّلاَمُ فسألته عن قوله اللَّـه تعالىٰ : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ](32)؛ قال : فنحن النَّاس ، ونحن المحسودون على ما آتانا اللَّـه من الإِمامة دون خلق اللَّـه جميعاً [فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](33)جعلنا منهم الرسل والأَنبياء والأَئِمَّة عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، فكيف يقرُّون بها في آل إِبراهيم ، ويُكَذِّبون بها في آل محمَّد عَلَيْهِم السَّلاَمُ؟ [فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا](34)»(35). (36) 3ـ بيان تفسير الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن إِبراهيم، قال: « قلت لأَبي عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : جُعِلْتُ فداك، ما تقول في هذه الآية : [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا](37) ، قال : نحن النَّاس الَّذين قال اللَّـه ، ونحن المحسودون ، ونحن أَهل المُلك ، ونحن ورثنا النَّبيِّين، وعندنا عصا موسىٰ ، وإِنَّا لخزَّان اللَّـه في الأَرض ، لسنا بِخُزَّانٍ على ذهب ولا فضَّة ... »(38). 4ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً ، عن الكناني ، قال : « قال أَبو عبداللَّـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا أَبا الصباح ، نحن قوم فرض اللَّـه طاعتنا ، لنا الأَنفال ، ولنا صفو الـمال ، ونحن الرَّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الَّذين قال اللَّـه : [أَم يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ]»(39). ودلالة الجميع واضحة. وفي ختام هذه المُقدِّمة يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات إِلى الأُمور التَّالية: الأَوَّل : أَنَّ أَعظم أَنواع تواضع المخلوق لباريه (تقدَّس ذكره) : تعظيمه لمن عَظَمَّه (جلَّ قدسه) بقدره. الثَّاني : أَنَّ أَعظم الصدق : الصدق في الحقائق الأَزليَّة ، وأَعظم الكذب والجحود والغشّ : الكذب والجحود والغشّ في الحقائق الأَزليَّة أَيضاً. بل أَحياناً يكون الصدق دجلاً ؛ وذلك إِنْ أُريد به صرف الأَنظار عن الصدق الأَكبر. وهذا أَخطر من دون قياس من الصدق والكذب والجحود والغشّ في عَالَم السياسة والأُمور العامَّة ؛ لاِرتباطها بالحياة والنشأة الأُخرويَّة الأَبديَّة ، وبالمصير الأَبدي للمخلوقات. الثَّالث : أَنَّ في ذات كُلِّ إِنسانٍ طبقات من الشرك يجب عليه تطهيرها. الرَّابع : أَنَّ بعض طبقات الشرك الخفي يُطهَّر صاحبها منها في عَالَم القيامة. الخامس : أَنَّ في ذات كُلّ مخلوقٍ طبقات من الحسد والبغض والعداء لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يجب عليه تطهيرها. ويدلُّ عليه : ما تقدَّم وما سيأتي (إِنْ شآء الله تعالىٰ) ؛ من ارتطام سائر الأَنبياء والرُّسل وجملة الملائكة منهم المُقرَّبين عَلَيْهِم السَّلاَمُ ، وتوقُّفهم في مقامات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وصفاتهم وشؤونهم وأَحوالهم . السَّادس : أَنَّه دائماً التبرُّم والاِعتراض على ساحة القدس الإِلٰهيَّة ورجالاتها يحمل في طيَّاته اِعتقاد (والعياذ باللَّـه تعالىٰ) بجهل ساحة القدس الإِلٰهيَّة وبجهل رجالاتها ، وهذا إِلحاد وشرك وكفر خفيٌّ شعر بذلك المخلوق أَم لا، وهو وإِنْ لم يخرج صاحبه عن دائرة الإِيمان والإِسلام ، لكنَّه يحطّ من مراتب ودرجات إِيمانه وإِسلامه ، ويحطُّ من حظِّه في عَالَم الآخرة الأَبديَّة وقدره. السَّابع : الكفر والإِلحاد برتب ومراتب الحُجَج الإِلٰهيَّة كفر عظيم ومحذور خطير، وهو الَّذي أَوقع إِبليس (عليه اللعنة) في ورطته ؛ فإِنَّه لَـمَّا لم يحفظ المراتب تطاول على حُجَّة اللَّـه ووليِّه ، وأَورثه الندامة الأَبديَّة. الثَّامن : أَنَّ الاِمتحانات والاِختبارات المُهمَّة في البصيرة يَمتحن اللَّـه بها الأُمَّة على مدىٰ الأَزمان والدهور. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) زاد في المصدر: «وقدَّسنا وقدَّست شيعتنا، وقدَّست الملائكة، وكذا». (2) بحار الأَنوار، 27: 131/ح122. المحتضر: 112 ـ 113. (3) المراد من عنوان (اللوح) الوارد في بيانات الوحي : الموجود الَّذي تُنتقش فيه أُمور وحقائق تكوينيَّة ، وليس نقش تطريز وخرائط وأُمور اِعتباريَّة. (4) بحار الأَنوار، 25: 22/ح38. رياض الجنان: (مخطوط). (5) بحار الأَنوار، 25: 16/ ح30. (6) بحار الأَنوار، 22: 147 ـ 148/ ح141. كتاب سليم بن قيس: 215 ـ 216. (7) بحار الأَنوار، 25: 21 ـ 22/ح37. (8) المصدر نفسه: 169 ـ 174/ ح38. (9) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ لعنوان : (الماء) الوارد في بيانات معارف الوحي ، منها : هذا البيان الشريف ليس السائل المعهود ، بل له رمزيَّة عجيبة وعظيمة جِدّاً ؛ فإِنَّ همزة (ماء) ليست من الحروف الأَصليَّة للكلمة فتكون مقلوبة عن (هاء) ، وكذا أَلفها فتكون مقلوبة عن (واو) ، فيكون أَصلها : (موه) ، أَي : ماهية وأَصل الأَشياء ، وهو : (الْعِلْم). ثُمَّ إِنَّ حقيقة (الْعِلْم) عَالَمٌ برأسه ، مخلوق من مخلوقات عوالم الخلقة الصَّاعدة ، فوق عَالَم العرش ، ولحقيقته نشأة ملكوتيَّة يراها العَالِم ولا يراها الجاهل ؛ لعدم تفعيله لأَبدانه وحواسها وقواها الصاعدة ، فإِنّ الْعِلْم ماء حياتها ، فكما أَنَّ للأَبدان الغليظة المعهودة غذاؤها وشرابها المادِّي الغليظ ، وتستدام حياتها به ، وتموت بتركه ، كذلك حال الأَبدان الصَّاعدة وحواسّها وقواها ، لكن غذاؤها ما يناسب تلك العوالم ، وهو : الْعِلْم والتسبيح والتحميد وذكر اللَّـه الكريم ، فهذا ليس غذاء الملائكة والمخلوقات الصاعدة حَسْبُ ، بل وغذاء أَبدان الإِنسان الصاعدة وحواسها وقواها. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الباقر عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، عن زيد الشحام : « في قول اللَّـه : [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ] [عبس: 24] قال : قلتُ: ما طعامه ؟ قال : علمه الَّذي يأخذه مِـمَّن يأخذه ». بحار الأَنوار، 2: 96/ح38. (10) بحار الأَنوار، 15: 27 ـ 29. (11) المصدر نفسه، 4: 9. (12) بحار الأَنوار، 24: 216ـ 217/ ح8 . (13) المصدر نفسه، 25: 363/ ح23. المحتضر: 159 ـ 160. (14) بحار الأَنوار، 16: 371/ ح82 . (15) المصدر نفسه، 5: 236/ ح12. (16) المصدر نفسه، 26: 92/ح20. (17) المصدر نفسه، 16: 377/ ح88 . (18) بحار الأَنوار، 10: 350/ ح9. الفصول المختارة، 1: 15. (19) بحار الأَنوار، 15: 19/ ح29. الأصول، 1: 441. (20) بحار الأَنوار، 97: 344. المزار الكبير: 877 . (21) بحار الأَنوار، 99: 152. (22) خ . ل: (نخع). خ . ل: (نجع). (23) بحار الأَنوار، 99: 132. عيون الأَخبار، 2: 272 ـ 277. (24) في الكافي: (فهذه الأَسمآء الَّتي ظهرت). (25) في التوحيد المطبوع والكافي: (هو الله تبارك وتعالىٰ). (26) الإسراء : 110. (27) بحار الأَنوار، 4: 166/ح8. أُصول الكافي، 1: 78/ح1. مع اختلاف يسير. (28) أُصول الكافي، 1: 17/ح14. (29) المائدة: 64. (30) بحار الأَنوار، 26: 1 ـ 7/ح1. (31) بحار الأَنوار، 28: 70 ـ 71/ح31. غيبة النعماني: 70 ـ 72. (32) النساء: 54 . (33) النساء: 54 . (34) النساء: 55 . (35) بحار الأَنوار، 23: 298/ح44. تفسير فرات: 28. (36) يَجْدُرُ صرف النَّظر في المقام إِلى القضيَّة التَّالية : /دعوىٰ المستولي الثَّاني من حصول البَدَاء في إِمامة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ/ هناك شبهة ، بل فتنة صدرت من المستولي الثَّاني في حقِّ إِمامة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ؛ كادت أَنْ تنطلي على بعض حواريِّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، الكُّبَّار ، فضلاً عن غيرهم ، وتحصل لهم زلَّة عقائديَّة ومعرفيَّة خطيرة جِدّاً ؛ فإِنَّه ادَّعىٰ حصول البَدَاء في إِمامتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) ، بدلیل : « أَنَّ النُّبوَّة والحكم لا يجتمعا في أَهل بيت واحد » . لكنَّه مخالف لصريح بیانات الوحي القطعيَّة ، منها : بيان قوله تعالىٰ الوارد في حقِّ أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا] [النساء: 54] ، فالكتاب اِشارة إِلى النُّبوَّة ، والحكمة اِشارة إِلى السُّنَّة ، والمًلك اِشارة إِلى الإِمامة والخلافة الإِلٰهيَّة ، وقد جمعها الباريّ تقدَّس ذكره في آل إبراهيم ، منهم أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . إِذَنْ : نحن نعتقد بعقيدة البَدَاء ، لكن لا بهذه الكذبة الصلعاء المخالفة لصريح بيانات الوحي القطعيَّة. (37) النساء: 54. (38) بحار الأَنوار، 23: 299/ح50. (39) المصدر نفسه: 194/ح20. بصائر الدرجات: 55